جريدة البناء /بقلم د حسن مرهج.: الشمال السوري.. أهداف تركية ومعادلات سورية مُحققة.

الشمال السوري.. أهداف تركية ومعادلات سورية مُحققة.

بقلم الدكتور حسن مرهج خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية ومدير شبكة فينيقيا للأبحاث والدراسات الإستراتيجية.

 

كثيرة هي التطورات في الملف السوري، وبصرف النظر عن التحركات السياسية، فقد بات واضحاً أن غالبية القوى الإقليمية والدولية، تبحث عن حل سياسي في سوريا، وبناء معادلات جديدة، تتناسب وطبيعة المناخ الإقليمي الجديد، والذي عنوانه الأبرز عودة سوريا إلى التأثير والفاعلية الإقليمية، فاليوم تُترجم التحركات تُجاه سوريا، عبر تشاركية عربية خليجية، وزيارات دبلوماسية عنوانها التمهيد لإعادة العلاقات مع دمشق، فضلاً عن عودة سوريا إلى اجتماعات مجلس الجامعة العربية، ولجانها المتعددة. كل ذلك بات يُصرف سياسياً كنقطة توازن أساسية في أي حراك سياسي في المنطقة، والأبرز في كل ما سبق، أن دمشق كانت ولا زالت عنواناً إقليمياً لا يمكن تجاوزه، مدعوماً بانتصار سوري.

 

بالتوازي ثمة واقع جديد يتم التأسيس له في شمال شرق سوريا، هذا الواقع جاء بعد فوز رجب طيب اردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية، وعودته مجدداً إلى سُدة الرئاسة، وإعادة هندسة الواقع السوري، ضمن عناوين سورية وروسية وإيرانية، وفي هذا الصدد يتم التأسيس لخارطة طريق جديدة، ستظهر اولى عناوينها في اجتماع أستانا الرباعي، فالأنظار اليوم تتجه لهذا الاجتماع الذي صادف انعقاده ضمن توقيت سياسي سوري، لا سيما أن التحركات السورية مدعومة بإجماع عربي خليجي، فضلاً عن عناوين سورية صِرفة تتعلق بالانتصار السوري.

 

في ذات الإطار، ثمة مساعي حثيثة لإعادة العلاقات السورية التركية، وضبطها بتوقيت دمشق، خاصة أن وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا، وضمناً دمشق، يعملون في هذا الإطار، لبلورة معادلة جديدة في سياق تطبيع العلاقات السورية- التركية، لكن ضمن شروط دمشق، والتي ترتكز على الالتزام بوحدة سوريا وسيادة أراضيها، مع التأكيد على إنهاء الاحتلال التركي والإعلان بوضوح عن استعداد تركيا للانسحاب من الأراضي السورية.

 

ومع الانفتاح السياسي على دمشق، والمساعي التركية للإلتحاق بركب الاصطفافات الجديدة، وتوازياً مع حالة الحراك التي ستشهدها أستانا، يبدو أن دمشق تسير في سياق تطبيق سيادتها على كافة الجغرافية السورية، فالمشاهد التي نقلت تحركات عسكرية للقوات السورية، تؤكد بأن دمشق صاحبة اليد الطولى على جغرافيتها، وما تأخير أي تحرك عسكري واستبداله سياسياً، ليس إلا لوضع الجميع أمام الإستحقاق السيادي في سورية، لكن ستبقى القدرات العسكرية السورية والمدعومة روسياً وإيرانياً، في أهبة الاستعداد لمواجهة تفشي الإرهاب في شمال شرق سوريا.

 

وعليه، فإن التحركات العسكرية السورية، تأتي في إطارين، الأول يأتي ضمن تنسيق سوري روسي إيراني وتركي، لتصفية كافة الفصائل الإرهابية في شمال شرق سوريا، وهنا يبدو واضحاً أن تركيا قد ترفع الغطاء عن الفصائل التي تدعمها، مقابل إمتيازات روسية وايرانية سيتم الكشف عنها لاحقاً.

 

أما الإطار الثاني، يبدو أنه ثمة نوايا تركية بالانسحاب من شمال شرق سوريا، ضمن جدول زمني ربنا سيتم اعتماده في اجتماع أستانا، وبالتالي سنكون أمام سيناريوهان، الأول تقسيم خارطة شمال شرق سوريا إلى نقاط عسكرية سيتم التعامل معها تباعاً وبشكل منفصل، وهنا سيكون باب التسويات مفتوحاً على مصراعيه، للعودة إلى الحضن السوري، أما الثاني يعتمد ربما على ضمانات سورية تُقدم لتركيا بمنع تسلل الإرهابيين إلى الأراضي التركية، ما يفسر وبشكل جلي حجم القوات السورية التي تحركت تُجاه شمال سوريا، لتنتشر على كامل جغرافية الشمال.

 

 صحيح أن دمشق تؤيد الحوار السياسي وترغب في توظيفه للوصول إلى حل سياسي، لكن الصحيح أيضاً، أن دمشق لم تعد قادرة على إبقاء الملف السوري في إطار التجاذبات الإقليمية والدولية، وبات ضرورياً على القيادة السورية، وضع الجميع أمام الأمر الواقع، خاصة في ظل تردي الواقع الاقتصادي للسوريين، جراء الحصار والعقوبات، وكذلك جراء استمرار حالة الفوضى في المناطق الواقعة خارج سلطة الدولة السورية.

 

كل ما سبق، يصب في إطار أساسي، يعتمد على رغبة دمشق بوضع حد لكافة التدخلات الخارجية في الملف السوري، خاصة مع عودة دمشق إلى محيطها العربي، وبالتالي قد يكون هناك قراراً قد أتخذ، حيال تحرير الجغرافية السورية، ونسج تفاهمات مع تركيا، وربما ثمة توجهات جديدة مع كُرد سوريا، لوضع حد للممارسات الأمريكية.

 

ختاماً، بات واضحاً أن السوريين كانوا على موعد مع حالة من الانفتاح السياسي، واليوم سيكونون على موعد مع معادلات جديدة ستبدأ في شمال سوريا، تمهيداً لواقع اقتصادي جديد، يُنقذ السوريين من تردي أوضاعهم. والقادم من الأيام سيحمل بشائر طالما أنتظرها السوريين.

2023-06-22
عدد القراءت (255)