


حاوره سعد الله الخليل
أكد الباحث العسكري والاستراتيجي الدكتور حسن حسن «أنّ التطورات الميدانية التي تشهدها أغلب الجبهات السورية والمعارك التي يخوضها الجيش السوري، بالتزامن، على امتداد الجغرافية السورية كلها ذات أهمية».
وخلال لقاء مشترك لصحيفة «البناء» و«شبكة توب نيوز»، أكد حسن «أنّ زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو وما رافقها من رسائل سياسية وحفاوة الاستقبال أفقدت أطراف التآمر التوازن ودفعت من يراهن على تغيير الموقف الروسي من دعم الدولة السورية، شعباً وجيشاً وقيادةَ، إلى إعادة حساباته».
حساسية القنيطرة
ولفت حسن إلى خصوصية القنيطرة وحولها كون العدو الرئيسي والأساسي والدائم للسورين والمنطقة والمتمثل بالكيان الصهيوني يدير المعارك وتحركات الإرهابيين». وأضاف: «تمثلت أحلام قادة الكيان الصهيوني وجنرالاته بإقامة ما أسموه «جداراً طيباً « يمتد من جبل الشيخ إلى الجولان والقنيطرة إلى درعا، وصولاً إلى حدود السويداء، لكنّ صمود الدولة السورية والشعب حوّل هذه المنطقة إلى «جدار مسكون بالمقاومة والمقاومين»، وهذا ما يفسر استماتة العصابات الإرهابية التي تعمل حصراً وفق الأجندة الصهيونية وتحقيق عملياتها وتحديد أهدافها من خلال الضباط المشرفين من الصهاينة «.
وأوضح حسن «أنّ الجيش طهر العديد من المناطق من السرية الرابعة والحميدية وغيرها، في وقت تخاض المعارك من باقي البلدات، كطرنجة، والنتائج تؤكد انهيار حلّ وصل القلمون والحرمون، ومعارك الزبداني كانت نقطة التحول في هذا الانهيار».
ورأى «أنّ النقاط الأساسية للعمليات العسكرية تتركز في مجموعة العناوين الرئيسية والفرعية»، وقال: «في السابق كانت كلّ عمليات الجيش تواجه بحصول المجاميع الإرهابية على الدعم والمؤازرة، أما الآن يقيم الجيش سدوداً نارية تفصل المساحات الجغرافية التي تسيطر عليها العصابات الإرهابية المسلحة وهذا يؤدي إلى هدفين معاً يتمثلان بعجز تلك المجموعات عن تقديم الدعم والمؤازرة سواء كان في العتاد أو السلاح من منطقة إلى أخرى والعجز عن تشكيل تجمع القوى المسلحة، بما يمكن أن يحدث اختراقاً في هذا الاتجاه كهدف ثان».
وأشاد حسن «بالتبدلات الجوهرية على مستوى السياسة في الإقليم والعلاقات الدولية برمتها وما ستتركه من تأثيرات على أرض الواقع»، مشيداً بالموقف الروسي «الحازم والدخول المباشر في العمليات العسكرية لما له من تأثير، سواء في القنيطرة أو على امتداده الجغرافيا». وأوضح «أنّ عملية دير العدس التي تفصل بين ريف دمشق والقنيطرة ودرعا كانت بمثابة المسمار في نعش أحلام هذا الجدار العازل».
واستبعد حسن «إمكانية تواصل المجموعات الإرهابية الممتدة من درعا باتجاه ريف دمشق سواء عبر دير ماكر أو عبر خان الشيخ أو بين درعا والقنيطرة وأن تبقى هذه العصابات مسيطرة على هذا الامتداد الجغرافية كون الجيش أصبح يسيطر على الكثير من المعابر وقطع الإمداد وإمكانية المناورة عليهم».
وأشاد حسن «بدور المواطن السوري الذي تحول إلى رجل استطلاع يرصد تحركات تلك المجموعات الإرهابية ومحاور التحرك، وهذا ما يفسر النجاح في استهداف تجمعات القادة الميدانيين واستهدافهم في ريف درعا والقنيطرة والقضاء عليهم وقت الاجتماع أكثر من مرة».
مواجهات ريف دمشق
وأشار حسن إلى محاولة العصابات الدخول والتقدم باتجاه ضاحية الأسد السكنية في حرستا ومحاولتها قطع الطريق الدولي حمص ـ دمشق، كردّ فعل على الإنجازات النوعية للجيش. وقال: «التسلل ليلاً وقطع الأوتوستراد يدلّان على أنّ المجموعات الإرهابية تريد إيصال رسالة بأنّ دمشق في خطر وبأنها قادرة على دخول دمشق، فكان الردّ خلال ساعات ولم تستطع المجموعات الإرهابية الوصول إلى الضاحية ولم تحقق أي هدف من هذه الأهداف الرسمية أو الأساسية، والجيش من منطلق الحرص على حياة المواطنين قطع الطريق بمسافة عدة كيلومترات ليتم التطهير الكلي للأبنية واستخدام الطريق الموازي للوصول إلى دمشق».
واعتبر حسن «أنّ مواجهات الجيش والواقع الميداني ترسم مجموعة من النتائج: الأولى تآكل قدرة العصابات الإرهابية على التمدّد والتوسع والسيطرة على مناطق جديدة، والثانية ارتفاع أعداد القتلى في صفوف المجموعات الإرهابية المسلحة يومياً، أما النقطة الثالثة فتتمثل في المهنية العالية وقدرة الجيش على فتح عدة معارك بشكل متزامن بعد مرور أربع سنوات وسبعة أشهر على هذه الحرب التي لم تشهد البشرية عبر التاريخ أقذر منها، وأنّ هذه المعطيات أصبحت تحكم الواقع الميداني على امتداد الجغرافية السورية».
حلب المفاجآت
واعتبر حسن «أنّ المفاجأة الأولى في جبهة حلب تتمثل باختيار نقطة التحرك حيث لم يكن من المتوقع أن يبدأ الهجوم من جنوب حلب وهذا ما مكّن الجيش من إحداث اختراق عمد إلى توسيعه وتطويره بالتزامن مع هجوم من محور الجنوب الغربي والشرقي، ما جعل العصابات الإرهابية في وضع حرج جداً وقد بدأت بالاستغاثة وإعلان النفير العام»، لافتاً إلى تطهير عشرات القرى على مدار 24 ساعة. وأضاف: «يترك الجيش قوات في القرى التي يستعيدها لتأمين الدفاع وتثبيت في هذه النقطة وهو ما يميز الجيش السوري عن غيره».
وأضاف: «علينا أن نميز بين مصطلحين: مصطلح الثبات والسيطرة ومصطلح الظهور والتحرك»، موضحاً «أنّ المجموعات الإرهابية المسلحة تستطيع أن تظهر في تلك المناطق مرة أخرى وتتحرك، لكنّ الجيش السوري يستطيع التحرك والظهور والثبات والسيطرة أيضاً».
واعتبر حسن «أنّ الواقع الجديد فُرض على العصابات المسلحة ومشغليها الأتراك والخليجيين بالهجوم على محور أثريا وخناصر، كشريان الإمداد الأساسي لمدينة حلب».
وأضاف: «استطاع الجيش السوري أن يستعيد بعض القرى وطرد العصابات الإرهابية على امتداد عشرات الكيلومترات»، مشيراً إلى «أنّ استهداف خناصر بالتحديد هو لتخفيف الضغط عن المجموعات المسلحة في الجنوب والجنوب الغربي ومحاولة تشتيت جهود الجيش وإرغام القادة الميدانيين على سحب بعض الوحدات التي تقوم بأعمال قتالية سواء في حلب أو في ما حولها».
ترابط الجبهات
وأكد حسن «ترابط جبهات حماه وحلب وإدلب وحمص وهو ما دفع الطيران الروسي الصديق، بالتنسيق مع القوة الجوية السورية، إلى استهداف النقاط الفاصلة في ريف حمص الشمالي وريف حماه الجنوبي والشمالي والغربي حيث بدأت العمليات البرية»، لافتاً إلى «أنّ المنطقة الواقعة بين سهل الغاب وحدود محافظة إدلب تمثل نقطة التقاء تتفرع باتجاه ثلاث مناطق: الوسطى والشمالية والساحلية «.
وأوضح «أنّ تحقيق نجاحات في مدينة حلب يعني الاقتراب أكثر من الحدود التركية التي تُعد صنابير تمرّر الإرهاب، وهذا ما قلل حجم التسلل والاستهداف للتواصل من العمق التركي الذي يمثل عمقاً استراتيجياً لهذه العصابات الإرهابية». وأضاف: «الجيش فصل المساحات الجغرافية التي تسيطر عليها العصابات الإرهابية إلى مربعات يمكن التعامل مع كلّ المنطقة الجغرافية بشكل معزول خلال هذه السدود النارية التي قوم بها الجيش السوري».
الحسكة
واعتبر حسن أنّ تنظيم «داعش» في الحسكة «فقد الكثير من عوامل القدرة القتالية وطاقاته القتالية نتيجة الهروب الجماعي لعناصره في الحسكة وحلب، وتسليم أعداد كبيرة من حملة الجنسية السورية أنفسهم للدولة السورية وتسوية أوضاعهم، ليثبت أنّ من حمل السلاح خلال الخمس سنوات أدرك عجز من يمول هذا الإرهاب باستمرار هذا الدعم والتسليح ويدلّ على التأزم الداخلي وعجز كلّ جحافل الإرهاب، وهي مرحلة اقتراب النهاية وسقوط الأقنعة والممالك».
التسوية السياسية
وأشار حسن إلى «أنّ الحروب لا تُخاض لأجل الحروب بل للتسوية السياسية، وفق ما يملك كل طرف من أوراق قوة»، مشيداً «بقوة الجيش السوري ودفعه ضريبة النصر بدماء شهدائه وتضحياتهم الثمينة وقد حطمت صخرة صموده مشروع الغرب وكلّ ما له علاقة بأحادية القطب الذي بات مهتزاً وغير قابل للتداول، لتتبلور علاقات دولية لتعدّد الأقطاب». وقال: «لا روسيا ولا الصين ولا إيران لو لم تكن تثق بقدرات الجيش السوري وصموده لما قدمت المساعدة».
واعتبر حسن «أنّ زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو، وما رافقها من رسائل بداية بعدم الإعلان عنها وحفاوة الاستقبال التي شكلت صدمة التي أفقدت أطراف التآمر التوازن»، مؤكداً «أنّ من يراهن على تغيير الموقف الروسي من دعم الدولة السورية شعباً وجيشاً وقيادةَ، انطلاقاً من ميثاق المنظمة عليه أن يعيد حساباته».
وأضاف: «إنّ إطلاق الصواريخ من بحر قزوين رسالة بأنّ الصواريخ الروسية من المياه الروسية تحارب الإرهاب لضمان أمنها القومي انطلاقاً من الجغرافية التي تسيطر عليها بالمعنى الحقيقي وكان بإمكانها أن تستخدم بوارجها من البحر المتوسط أو من الطائرات، لكنها أرادت أن تقول أنّ روسيا جزء وطرف في هذه الحرب التي لا يجوز أن تستمر أو أن تحسم إلا وفق مصالح أبناء المنطقة في سورية».
مناورات السياسة
أوضح حسن «أنّ إعلان الرئيس السوري استعداده لإجراء انتخابات نيابية ورئاسية إذا وافق الشعب السوري تأكيد على أنّ الشعب هو صاحب الحق الحصري في اختيار من يحكمه». وقال: «التصريحات السورية منذ 30 أذار 2011 والخطاب الأول للرئيس لم يتغير منذ البداية بأنّ الشعب السوري صاحب الحق والمرجعية وما تمّ من إصداره من تشريعات أحدث ثورة حقيقية».
وردّ حسن على ما صدر عن لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز حول دعم التنظيمات الإرهابية والسير في الحلّ السياسي بالقول: « إنّ إلقاء عشرات الأطنان من الأسلحة للمسلحين ودعوة وزير الدفاع الأميركي إلى الاستمرار في قتال الدولة السورية يؤكد حقيقة واحدة مفادها أنّ واشنطن هي الراعي الوحيد لهذا التسليح».
ورأى في تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التواصل مع الجيش الحر «تناغم مع الدور الروسي في الحفاظ على التواصل وجمع خيوط التقاء مع كلّ الأطراف».
وختم: «إنّ تصريح لافروف نوع من سحب الذرائع لقناعته بأنه لم يجد من يعترف بالاستعداد لمحاربة داعش بدلاً من مواجهة الدولة السورية «.